أسلوب العَرْض والتحضيض

أسلوب العَرْض والتحضيض

درست - عزيزي الطَّالب - في موضوعات مُتقدّمة قسمًا مِنَ الأَسَالِيبِ الطَّابِيَّةِ الَّتِي يلجأ إليها العربي إذا أراد الطَّلبَ، وهي (الاستفهام)، و(النّداءُ)، و(التَّمني والتَّرجَي)، ولم يبق مِنْ هذه الأساليب سِوَى أسلوب واحدٍ فلو عُدت الى النصّ ولاحظت الجمل أَما قرأت قوله تعالى) و (ألا تسمع قول نبينا الأكرم مُحمَّدٍ)، و(هلا تعلَّمْتَ كيفَ توازِنُ بين الماضي والحاضر والمستقبل)، و (لو ما ابتعدت من التقليد الأعمى)، لتبيَّن لكَ أنَّ هذه الجمل تشترك في صفةِ الطَّلب، ولكنَّها تفترقُ في نوع هذا الطَّابِ وَشِدَّتِهِ، يُسمَّى هذا الأسلوبُ العَرْض والتحضيض، ولهما أدوات تختص بالدخول على الأفعالِ، وتتضمَّنُ معنى (افْعَلْ).

أولا: العرض:

هو طلب برفق ولين، يلجأ إليه المتكلّم عندما يطلب مِنَ الْمُخَاطَبِ أَمْرًا مُعيَّنًا بلطف ورةٍ، يظهر ذلك في كلامه ونبرة صوته. وله أدوات ثلاث، هي: (ألا) و (أَمَا) و (لَوْ)، وهي أَحرُفٌ لا محل لها مِنَ الإعراب لها معنيانِ (العَرْضُ) أو (العَتَبُ):


أ- العَرْضُ: إذا دَخَلَتْ على فعل مضارع ، كقولنا : (ألا تُساعدُ المُحتاجينَ)، ومثله قول
الخنساء
يا أُمَّ عَمْرٍو أَلَا تَبْكِيْنَ مُعُولَةً
                      عَلَى أَخِيْكِ وَقَدْ أَعْلَى بِهِ النَّاعِي

 وقولنا: (أَمَا تُعاونُ زُملاءَكَ)، ومثله قولُ الشَّرِيفِ المُرْتَضَى:
أَمَا تَرَى الرَّبْعَ الَّذِي أَقْفَرَا
                 عَرَاهُ مِنْ رَيْبِ البِلَى مَا عَرَا
وقولنا: (لَوْ تُحارِبُ التَّنمر فيعيش النَّاسُ بسلام.

ب العَتَبُ : إِذا دَخَلَتْ على فعل ماض ، كقولنا: (ألاشاركتَ فِي المُسابَقَةِ)، و(أَمَا وَقَفْتَ مع الحق)، و(لَوْ أَكْمَلْتَ دراستك).

ثانيًا: التحضيض:

هو طلب بقوة وشدَّةٍ، يلجأ إليه المتكلّم عندما يطلب إلى المُخَاطَب أمرًا مُعيَّنًا بتحريض وحثّ، يظهر ذلك في كلامه ونبرة صوته، وهو أشدُّ توكيدًا من العرض، وله أدواتٌ أربعٌ ، هي (لَوْلا) و (لَوْمَا) و (أَلَا) و (هَلّا) ، وهي أحرُفٌ لا محل لها من الإعراب، ولها معنيان (التحضيض) أو (التَّأْنيبُ واللَّوْمُ:

أ- التحضيض: إذا دَخَلَتْ على فعلٍ مُضارع، كقوله تعالى: (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أَجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) (الواقعة: ۷۰)، بمعنى (اشكروا)، ومثله قولنا: (لَوْلا تؤدّي الأمانة إلى أهلها).

وقولِهِ تعالى: (لَوْمَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (الحجر:۷)، بمعنى (انتنَا)، ومثلُهُ قولنا: (لَوْمَا تمتنعُ عَنِ اغتياب الآخرين فتسلم). وقوله تعالى: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ) (التَّوبة: ۱۳)، بمعنى (قاتِلُوا)، ومثلُهُ قولنا: (ألا تُقاتلون الإرهاب). وقول الشاعر:
هلا تُفَاخِرُ يَا فَتَى وَتُبَاهِي
                      يَوْمًا بِمَوْطِنِكَ الْعَزِيزِ الْبَاهِي 
ومثله قولنا: (هلا تبتعد من التقليد الأعمى للآخرين).


ب - التَّأْنيبُ واللَّوْمُ: إِذا دَخَلتُ على فعل ماضٍ، كقوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) (التَّوبة: ۱۲۲)، بمعنى (انْفِروا)، ومثلُهُ قولنا: (لَوْلا أبطأت في سيرك).
وقولنا: (لَوْما أَطَاعَ العاق والديه)، و(ألا سأَلْتَ عَنْ جَارِكَ)، وقولِ دِعْبِلِ الخُزاعي: هَلَا بَكَيْتَ عَلَى الْحُسَينِ وَأَهْلِهِ هَلَا بَكَيْتَ لَمَن بَكَاهُ مُحَمَّدُ .


وقد تخرج بعض أدواتِ العَرْض والتحضيض إلى معانٍ أخرى، وهي:


 ١ - الاستفتاح والتنبيه : تُسْتَعْمَلْ (أَلا) و (أما) للاستفتاح والتنبيه، إذا جاءَنَا فِي أَوَّلِ الجملة، وأمكن حذفهما مِنْ دُونِ أنْ يتأثَّرَ المَعْنَى، فهُما زائدتانِ لا يدلان على طلب، كقوله تعالى: (أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (يونس: ٥٥). 
وقول أبي العلاء المعري :
أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي تَقِيُّ
                لَمَا أخَيْتُ مِثْلَكَ وَهوَ قاض 
ومثله قولنا: (أَلَا إِنَّ للصَّادِقِينَ منزلة عندَ اللهِ) ، و(أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الباطل زائل). تُعرب (أَلَا) و (أما) في الأمثلة المُتقدِّمة حرفي استفتاح وتنبيه لا محل لهما مِنَ الإعراب؛ لأنَّهما جَاءَتا في أوَّلِ الجملة، ولم يَدُلَّا على طَلَب. 

٢- الشَّرْطُ : تُسْتَعْمَلُ (لَوْلا) و (لَوْما) و (لَوْ) أدواتِ شَرْطٍ غير جازمةٍ، تُفيدُ معنى النَّفْي الضمني، عندما تأتي بعدها جملة شرطيَّةً، فتكونُ (لَوْلا) و (لَوْما) حرفي امتناع لوجود، أي امتناع حصولِ جوابِ الشَّرطِ لوجودِ الشَّرطِ، كقولنا: (لَوْلَا الشَّمْسُ لَهَلَكَ النَّاسُ)، و(لَوْما الماءُ لَمَاتَ الزَّرْعُ) ، والمعنى (امتناع هلاكِ النَّاسِ لوجود الشمس) و (امتناع موتِ الزَّرع لوجود الماء). ومثله قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ ) (العنكبوت: (٥٣). وتُعْرَبُ (لَوْلا) و (لَوْما) في أدائي شرط غير جازمتين، وهما حرفا امتناع لوجود ، أمَّا الاسمُ الذي يليهما فيُعربُ مبتدأ خبره محذوف تقديره (موجود).

أَمَّا (لَوْ) فتكون حرف امتناع لامتناع، كقولنا: (لَوْ طَبَّقْنَا القانونَ لَعِشْنَا بِسَلَامٍ)، أي امتناعُ عيشنا بسلام لامتناع تطبيقنا القانون، ومثله قوله تعالى: (لَوْنَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا) (الواقعة: ۷۰)
وتُعربُ (لَوْ) في المثالين المتقدمين أداة شرط غير جازمة، وهي حرف امتناع لامتناع.


تذكر عزيزي الطَّالب أَنَّ العَرْض والتَّحضيض مِنَ الأساليب الطَّلبيَّة، وقد يحتاج الطَّلْبُ إلى جواب، فإذا كان جوابُ العَرْضِ والتّحضيض فعلًا مضارعًا فَإِنَّه يُسبق بفاءٍ تُسمَّى (الفاء) السَّببيَّة)، وهي أن يكون ما قبلها سببًا لما بعدها، ويُنصبُ هذا الفعلُ بـ (أنْ) مُضمرةٍ وجوبًا، كقولنا: ألا) تَعطفُ على المسكين فيعلو شأنُكَ)، و(لَوْلا تجتهد فَتَنْجَحَ).

فالفعلان (يعلق) و (تنجح) جوابانِ للطَّلب (العرض والتحضيض)، منصوبان بـ (أن) مُضمرةٍ وجوبًا بعدَ الفاءِ السَّببيَّة. ومثله قوله تعالى: (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ) (المنافقون: ۱۰) فالفعل (أصَّدَق) منصوب بـ (أنْ) مضمرةٍ وجوبًا بعد الفاء السَّببيَّة؛ لأنَّه جوابٌ للطَّلب بصيغة التّحضيض.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-